لو اطلعت على تدويناتي السابقة، ستلاحظ أنني غالباً ما أركز على معادلة “المستقل والعميل” من وجهة نظر المستقل فقط. والسبب بسيط: أنا المستقل هنا، وهذا ما يجعلني أركز على هذه المعادلة من طرفي فقط، وأتحدث عن تجاربي مع العملاء، سواء كانت جيدة أو حزينة، من وجهة نظري. لكن، ومن خلال تجربة سريعة في الأيام الماضية، شعرت بما يعانيه العميل عند بحثه عن مستقل يتولى مشروعه الجديد. وبررت العديد من التصرفات التي كنت أستغربها بشدة أثناء تعاملي مع أحدهم. نعم، فبعيداً عن مهارات التصميم أو التطوير، وخبرتك وإبداعك في هذين المجالين، هناك أسس عليك فهمها وإتقانها. أولها وأهمها هو أساسيات التعامل واحترام العملاء.
احترم أبسط طريقة في التواصل
لست أدري لماذا يصر البعض على التعامل مع البريد الإلكتروني وكأنه وسيلة جانبية أو إضافية، ويستخدم عبارة “لا أرد على البريد دائماً”، أو “أخصص يوماً في الأسبوع لقراءة الرسائل والرد عليها”. يا أخي، اسمه “بريد إلكتروني” وليس “حمام زاجل”! أسبوع كامل؟ كيف ستنجح في عملك وتحصل على عملاء جدد إذا لم تأخذ رسائلهم بجدية وتتعامل معها باحترام؟ أقل أسلوب للاحترام هو الرد في وقت منطقي: يوم، يومان، ثلاثة… لكن أسبوع أو عشرة أيام؟ هذه مدة تصلح قبل مئة عام من الآن، وليس اليوم! لا تنسَ أنك مستقل والبريد الإلكتروني هو الأساس. قد ترفض السكايب أو الفيس بوك أو الواتس آب أو حتى الهاتف، أو تجعلها وسائل جانبية، لكن أن تقوم بالعكس فهذا غير منطقي. كيف سيطمئن العميل للعمل معك ويضمن أنك سترسل عمله في الموعد المحدد؟ كيف سترسل له العمل؟ عبر الهاتف أم الـ MMS أم بالتخاطر؟
اللباقة جميلة
لا أقصد أن ترتدي بدلة رسمية وتضع ربطة عنق، أو أن تتحدث مع عميلك بصوتٍ منمق وكلماتٍ منتقاة بعناية. أقصد أن ترد بلباقة وتتكلم بلطف. جملة مثل “هذا رقمي 090000000” فقط للرد على رسالة تحتوي على تفاصيل مهمة حول مشروع ما أو استفسار معين هي جملة غير منطقية وغير مفهومة، ولا يستخلص منها الإنسان الطبيعي أي معنى. لن تخسر شيئاً إن قمت برد السلام أو شكرت عميلك على تواصله معك. لا تريد العمل؟ لا مشكلة، وضّح أسلوب تعاملك أو ارفض العمل بشكل مباشر حتى، لكن بلباقة. اختتم الرسالة بشكل جميل؛ فكلمة “تحياتي لك” أو “أتمنى لك التوفيق” ليست كلمة سيئة ولا تحمل أي معنى سلبي بأي لغة من لغات العالم. إنها كلمة ختامية جميلة فقط!
العميل ليس درجة ثانية
من أخبر المستقلين أنهم فصيلة فريدة من نوعها؟ عزيزي المصمم أو المطور، لست جورج كلوني أو رئيس دولة ما، ولا شخص بميزات خارقة. أنت إنسان وهبك الله ميزة وأعطاك علماً في مجال ما، ووفقك للعمل به “فقط”، لا شيء غير ذلك. احمد الله على نعمته عليك، وقدّرها، ومن باب رد الجميل والحفاظ على النعمة: أحسن التعامل مع البشر بلطف واحترام، ولا تتعامل مع العميل وكأنه درجة ثانية. وإن أخطأ وطلب منك خفض السعر، وضّح له سبب هذا المبلغ، أو ارفض العمل بلطف. تحدث عن وقتك وجهدك، لا داعي للتكبر والاستغراب (معقول! عميل يطلب تخفيض؟ هزلت!). لا، يا عزيزي، لم تهزل؛ هزلت عندما دخلت أنت هذا المجال!
المتابعة حق لك وعليك
إن سألك العميل عن الوقت المتوقع للانتهاء أو تابعك وطلب منك تحديثات، فهو لم يخرج عن الملة، ولم يكفر بعد. هو يسأل فقط، يستفسر. لا أدري لماذا يتوقع البعض أن يكون بين المستقل والعميل أربع رسائل فقط: الأولى للطلب، الثانية للدفع، الثالثة لتسليم العمل، والرابعة للشكر والتبجيل على قبوله العمل معك! هل تعلم عدد المصممين العرب؟ عدد المستقلين منهم؟ أو عدد المصممين والمستقلين في العالم؟ عدد الشركات التي تقدم نفس الخدمة التي تقدمها؟ إذاً، احمد ربك على نعمته، واشكر عميلك على اختياره لك “حتى ولو كنت رقم واحد في العالم”.
احترم الاتفاق
أحياناً قد يطلب العميل شيئاً إضافياً، أو يكثر من التعديلات، وقد ينسف العمل ويكلفك بجهد ووقت أكبر من المتوقع، وبالتالي يصبح المقابل أقل من المتوقع. وضّح له ذلك. وضّح أنك قد تطلب مبلغاً إضافياً نتيجة لهذه التعديلات أو الإضافات. وضّح له المبلغ بالتفصيل. اعتمد على الوضوح، وإن نسيت أو “تناسيت” تحمّل نتيجة خطأك. لا تتكتم حتى نهاية العمل ثم تضرب الرقم بـ 3 بحجة الجهد. باختصار، لا تشعر عميلك أنك تستغله أو تسرقه. اضغط على نفسك قليلاً إن احتاج الأمر، لكن لا تترك طابعاً سيئاً في التعامل ولا تحرج عميلك. وتذكر: “ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام”.
قم بإنهاء العمل بابتسامة
أقصد أن تترك طابعاً جميلاً وسعيداً بنهاية العمل. أخطأت؟ أصلح خطأك، عوّض عميلك. أخطأ هو؟ وضّح له خطأه، سامحه. كن صاحب القلب الكبير هنا، أو حاول على الأقل. لم يحترمك؟ ارفض التعامل معه “بلطف” ووضّح له السبب، حتى ولو كان بشكل مباشر، لكن أيضاً “بلطف”. أنهِ العمل باحترام متبادل وتأكد من رضاه عنه. شروط العمل جميلة ومهمة، لكنها ليست قانوناً أو دستوراً لا يتم تعديله. قم بتعديل إضافي، أو اخصم قليلاً من المبلغ إن حصل سوء تفاهم أو مشكلة. تصرف بمرونة، وأنهِ العمل بابتسامة 🙂
في النهاية
نعم، قد يخطئ العملاء بحق المستقلين أو العكس، وهذا يعود لعدم انتشار مفهوم العمل الحر “بوضوح” ولاختلاف طباع البشر. لكن كن أنت من يساهم في نشر هذا المفهوم، بل قم بصنع أسس جميلة وصادقة فيه، واعمل على إصلاح أخطاء غيرك من المستقلين، واترك طابعاً جميلاً عن تجربة العمل الحر.