تتعدد طرق التسعير في مجال العمل الحر، وربما لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة، والصحيح أن هناك طريقة “تناسبك أو لا تناسبك”، والتسعير مقابل ساعة العمل من أهم وأشهر الأساليب المتبعة، تماماً كالتسعير مقابل المشروع. في هذه التدوينة، سأذكر بعض الملاحظات التي تخص هذا الأسلوب من التسعير، مع التركيز على السلبيات أو النقاط التي تجعلني لا أفضله، إضافة إلى ملاحظات ختامية سريعة عند رغبتك باعتماده.
نحن لا نعتمد على الوقت فقط
بالتأكيد هو عمل يحتاج إلى وقت، وأنت تتقاضى ثمنه، ولكن المهن التي نعمل فيها، خصوصاً تلك الإبداعية منها كالتصميم بمجالاته، أو التصوير والكتابة وغيرها، لا تعتمد على الوقت أو الجهد فقط، بل على التفكير، التركيز، والإبداع أو التجديد والخروج عن المألوف. وذلك يحتاج إلى التجربة، والتجربة تحتاج لوقت إضافي. ربما ستقوم بتجربة فكرة لعمل ما، وقد تنهيها ثم تكتشف أنها غير مناسبة فتعيد العمل من جديد. الوقت الذي سيأخذه هذا الأمر، مهما كنت محترفاً، لا يمكنك التنبؤ به أو معرفته. كما أنك قد تجلس للعمل لساعات، دون أن تنجز شيئاً حقيقياً يستحق العرض أو التقديم.
وأضف إلى ذلك كله الخبرة، سواء أكان ذلك بعدد تجاربك والمشاريع التي قدمتها وأنجزتها خلال سنوات عملك، أو حتى تلك الدورات والكتب التي تعلمت منها، والتي أوصلتك إلى سرعة ومهارة معينة في تجربة واختبار الأفكار. كل ذلك، برأيي، لا يمكن التعبير عنه بسعر أو كلفة معينة مقابل ساعة العمل، حتى لو قمت بتعديلها أو زيادتها من الحين للآخر.
التسعير بالساعة يقلل الكفاءة
نعم، من يعمل بضمير وأمانة سيعمل كذلك سواء أكان عملاً حراً أو وظيفياً، لكن حتى مع افتراض ذلك، فأغلب الظن أنك وعلى المدى الطويل ستدخل في صراع مع نفسك يسببه الروتين والملل من المهام وما تقوم به. سيصبح تركيزك على الساعات ومرورها، وربما عددها، وليس على الإنجاز وحجمه وسرعتك في ذلك.
السرعة مع الجودة في العمل تشجعك على استلام المزيد من الأعمال، وبالتالي زيادة كفاءتك الشخصية. وهذا يعني زيادة عدد عملائك وأعمالك. ولو جربت الحالتين وقمت بمقارنة بسيطة، ستعرف الفرق في حجم العمل الذي ستنجزه في الوقت نفسه.
يُصعّب عليك بناء علاقة جيدة مع عميلك
ربما يفضل أغلب العملاء التسعير مقابل الساعة، حيث أنه سيكون مرتاحاً بإضافة أي تعديلات أو تطويرات على المشروع، أو ربما سيقلل المخاطرة بإمكانية إلغاء العمل في أي وقت في حال كان المستقل غير معروف أو في بداية مسيرته. قد تظنه أنت أبسط وأسهل وأفضل أيضاً، لكن هذا الأسلوب من التعامل سيخلق حالة من الشك وعدم الراحة لكليكما. غالباً وبعد مدة من الوقت، ستبدأ في جدولة كل ثانية من وقتك، ودون معرفة الوقت الضائع منها أو الحقيقي. سيبدأ عميلك بالشعور بمرور وقت كبير على مهام صغيرة، أو ستبدأ المهام تتراكم عليك وستركض خلفها.
وبعيداً عن التعميم المطلق، فأغلب عملاء هذا النوع من التعامل أو التسعير لا تُبنى معهم علاقات جيدة ومريحة على المدى الطويل. ربما يكون الاستثناء هو تقاضيك كلفة قليلة تشجع عميلك وتريحه بالوقت بحيث أن إجمالي ساعات العمل ستكون أقل من الكلفة المقطوعة للمشروع، أو في حال كنت تملك أنت وعميلك خبرة واحترافية كبيرة في التعامل تجعلكما مرتاحين به.
صعوبة تحديد كلفة الساعة
رغم أن تحديد كلفة ساعة العمل، ثم اعتمادها للمشروع ككل، يبدو ظاهرياً سهلاً وبسيطاً ويمثل راحة أكبر مقارنة بأسلوب الكلفة مقابل المشروع واحتمالية أخذ وقت وجهد أكبر، لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في تقدير الكلفة الصحيحة لساعة العمل الخاصة بك.
إذا عملت عشوائياً على تقديرها أو اعتمدتها بناءً على كلفة ساعة العمل لشخص آخر، فستقع في فخ الزيادة المفرطة التي لا تعبر عنك وغير المناسبة لعميلك، أو النقصان المجحف بحقك ثم عدم الرضى لاحقاً بذلك. وبكلتا الحالتين، ستصبح هذه الكلفة التي حددتها صعبة التعديل والتغيير لاحقاً.
إذا حاولت العمل على تحديدها بدقة، مثل تقدير المبلغ الذي تحتاجه شهرياً، وإضافة كلفة معداتك، وخبرتك، ونسبة الأعطال والخسائر، وغيرها من الأمور المملة التي نسمعها لتقدير كلفة الساعة، ستدخل في تعقيدات مزعجة غير منطقية أحياناً، تجعلك غير راضٍ عن القيمة التي ستصل إليها أياً كانت.
ثم صعوبة تعديل هذه الكلفة
كما ذكرت في النقطة السابقة، تحديد كلفة معينة والعمل بها قد لا يكون أمراً بسيطاً وسهلاً، خصوصاً في بداية مسيرة الشخص. لكن، ولنفرض أنك وصلت لكلفة الساعة التي تخصك أو المناسبة لمشروع معين، سواء بتحديدها بناءً على المتعارف عليه بتجارب من حولك، أو وصلت لها بناءً على تفاوضك الطويل مع عميلك الذي حددها أيضاً بناءً على تجاربه وآراء من حوله.
الصعوبة الحقيقية ستكون لاحقاً في تغيير هذه الكلفة. فتعديل سعر ساعة العمل أصعب بمراحل من تعديل كلفة مشروع تظن أنه متعب وسياخذ وقتاً وجهداً مختلفاً. في أغلب الأحيان، تصبح هذه القيمة العامة التي يتم تقديرك بها، وتغييرها يعني إقناع أي شخص تعامل معك سابقاً أو جاء من طرف عميل سابق لك بسبب هذا التغيير، ثم التفاوض من جديد والدخول في دوامة لا تنتهي.
يزيد شعورك بعدم الرضى
أغلب الظن أن التسعير مقابل الساعة لن يشعرك بالرضا والراحة. إذا كان العمل روتينياً أو سهلاً وعميلك مرن ومتفهم، ستكون مرتاحاً. لكن، إذا كان العمل معقداً ومملاً ويحتاج لخبرة أو فهم وتركيز كبير، سيبدأ شعورك بعدم الراحة والرضا، سواء على عدم استلام المشروع كمشروع منفصل بكلفة محددة، أو عن السعر الذي قدرته لساعة العمل فيه. هذا ما عدا الصراع الدائم مع الضمير بمدى التزامك وعملك وتركيزك في الوقت الذي تقضيه والذي يتم حسابه على العميل.
نعم، قد تكون جزئية الرضا وعدمه لا تخص التسعير بالساعة فقط، لكن تكمن المشكلة في الاستمرارية التي يخلقها التسعير مقابل الساعة عكس التسعير مقابل المشروع، والذي حتى لو قدرت قيمته بنقصان بسيط أو غيره، فسينتهي شعورك مع نهاية المشروع. هذا ما عدا إمكانية تعديل كلفة المشروع في حال زيادة الحجم عن المتفق عليه أو غيره.
يخلق شعور الأمان الوظيفي الوهمي
قد تظن أن أسلوب التسعير مقابل الساعة فيه أمان أكبر، وهو يشبه أسلوب العمل الوظيفي. بمعنى آخر، عميل يتعامل معك دائماً أو لمدة طويلة ومبلغ مضمون على مدى طويل نسبياً (شهر، شهرين، أو حتى سنة مثلاً).
ومع التسليم بعدم صحة هذا الفكر، لأن الرزق وتيسيره من الله وأياً كان نوع التعامل وطبيعته، فبرأيي اعتمادك على أسلوب التسعير هذا واستمرارك فيه قد يسبب ضرراً أكبر وأكثر على المدى البعيد. إذا استمرت علاقة العمل مع عميلك، وكل شيء كان جيداً ولم يتوقف التعاقد بعد مدة، سيحرمك هذا الأسلوب المغامرة والتجربة والتعامل مع عملاء جدد، عكس التسعير مقابل المشروع الذي سيكون أفضل لك مادياً ومعنوياً ومهنياً على المدى البعيد.
خسارة التسويق بالتوصية
ربما يكون أسلوب التسويق الأهم والأكبر لك في العمل الحر، والذي يجب أن يكون تركيزك دائماً عليه، هو التوصية من العملاء السابقين، أو الـ “word of mouth”. التسعير بالساعة يجعل نسبة خسارتك لهذا الأسلوب كبيرة.
الشعور الذي يتركه التعامل مقابل الساعة لدى العميل أقرب لشعور الموظف في العمل الوظيفي. كم عميل يرشح موظفاً يعمل معه لشركة أو جهة أخرى؟ يمكنك فهم واستنتاج هذا الانطباع من أسلوب إضافة المهام وطلبها وتحديد أوقاتها ومتابعتك بها. نعم، هذا الأمر يختلف من عميل إلى آخر وليس لذلك قاعدة، لكنه حتماً سيلعب دوراً كبيراً في ذلك، على الأقل برأيي.
وفي الوقت نفسه قد يناسبك في حالات معينة
فمثلاً، أجد أن التسعير بالساعة يناسب المستقل في بداية مسيرته لخلق تجربة وخبرة حقيقية بالعمل، أو كجسر للانتقال من العمل الوظيفي للحر، أو حتى لاستلام مشاريع فيها مخاطرة قد لا تناسبه وتناسب عميله مثلاً، وربما يصلح بشكل أكبر أيضاً للتعديلات والأمور الروتينية. فلو افترضنا أنك عملت على مشروع ما بكلفة ومدة معينة ثم انهيته، وظهر لاحقاً مع العميل تطويرات على المشروع أو إضافات وتعديلات قد لا تكون محددة وواضحة بشكل كبير، فربما يكون أسلوب التسعير هذا فعالاً ورائعاً بذلك. كما أنني أجده يناسب مجالات معينة أكثر من غيرها كالعمل البرمجي مثلاً.
ملاحظات سريعة عند رغبتك باعتماده
• ركز دائماً على أن توضح لعميلك أن كلفة الساعة التي قدرتها تخص هذا المشروع وهذه الحالة، وهي كلفة متغيرة.
• حدد عدد ساعات متوقعة للمشروع قبل أن تبدأ به، سواء لنفسك أو لعميلك أيضاً، ودرب نفسك على صحة تقديرها.
• حاول أن تستخدم برنامج لمراقبة وتسجيل العمل وما تقوم به، لنفسك قبل عميلك.
• استخدم برامج وتطبيقات فعالة للمهام ومتابعتها وتحديد ساعات العمل عليها، لتنظيم وأرشفة ما تقوم به بشكل كامل.
• اتفق مع عميلك على تسلسل معين لإنجاز العمل، أو مجموعة مهام محددة لكل أسبوع مثلاً.
• لا تجعل تعديل أولويات المهام مشتتاً ويومياً، ماعدى الحالات الطارئة التي يتوقف بها المشروع مثلاً.
• طور وعدل دائماً على كلفة الساعة، زيادة أو نقصان، وأعلم عملاءك بها وبالسبب الذي جعلك تعدلها.
• جرب من حين لآخر أسلوب الكلفة مقابل المشروع، ولا تعتمد أسلوب التسعير بالساعة فقط.
بالنهاية
شخصياً لا أفضل أسلوب العمل مقابل الساعة. لا يعني ذلك أنه سيئ أو التعامل فيه خاطئ، لكني أجده غير مناسب على المدى الطويل للمستقل وتطوره الشخصي. نعم، له حالات مناسبة جداً، لكن ما أنصح به بشكل كبير فيما يخص هذا الأسلوب هو استخدامه لك شخصياً. أي تقدير كلفة خاصة بينك وبين نفسك لسعر ساعة العمل الخاصة بك. مثلاً، تقدير المبالغ التي تتقاضاها على المشاريع عادة وتقسيمها على الوقت الذي أنجزته بها، ثم الخروج بمبلغ وسطي يعبر عن كلفة ساعة العمل. الغاية أن تستخدم هذه الكلفة لتقدير المشاريع التي يتعذر عليك تقدير كلفة العمل عليها، بحيث تتوقع عدد الساعات التي ستقضيها فيها ثم تضربها بهذه الكلفة وتخرج بقيمة تقريبية للمشروع.
وأخيراً، كل ما ذكرته بالأعلى يخص رأيي وتجربتي، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً وملائماً للجميع.