لن تكون هذه التدوينة للنميمة أو التشهير بأحد، ولا للتحدث عن العملاء بصورة سلبية. فالسبب الوحيد لاستمراري هنا هو العملاء. لكن يحق لكم كمتابعين مهتمين بشكل أو بآخر بالتصميم والعمل الحر، معرفة الأخطاء التي أقع فيها، لعل أحدكم يستفيد منها ويتجنب الوقوع في نفس الأخطاء.
طبعاً، وبكل تأكيد، هذه ليست كل الأخطاء والمشاكل التي وقعت فيها، إنها الأحدث فقط 🙂
رغم كل الإجراءات التي أتبعها وتحليلي المسبق لشخصية العميل قبل التعامل معه، إلا أنني أصبحت ضحية عدة مرات، ولا أخجل من هذا الأمر. فخلاصة كل ما أقوم به هو نتيجة لأخطاء كثيرة “وكثيرة جداً” وقعت فيها. بعضها كان يقع اللوم فيها علي، وبعضها الآخر على من حولي أو من أتعامل معهم. لذا دعونا نبدأ، وأعتذر سلفاً على الإطالة.
لا أعرف ما الذي أريده، ولا أين أنا حتى!
صحيح أنني أتجنب العميل المتردد، والذي لا يعرف ما يريد، إلا أنني كنت صاحب نظرية وردية جميلة – خلاصتها ببساطة: أن أمسك بيد العميل “التائه” وأحاول إيصاله إلى ما يحتاج، وأدله على الطريق بنفسي متجاوزاً بذلك “شكوكي” وخوفي من حالة الجنون التي قد تصيبني بالتعامل معه.
النظرية كانت “كما تكلمت سابقاً” وردية، وكل شيء فيها كان صائباً، والتجارب التي دخلتها مع عملاء من هذا النوع انتهت جميعها بنهاية “سعيدة، مشرقة، مثالية”. لكن هذه الحالة لم تدم، لأكتشف فيما بعد بأنها خاطئة. قد لا تكون خاطئة تماماً، لكنها ذات نسبة مخاطرة عالية.
في صباح يوم شتوي ماطر، وصلتني رسالة من عميل يخبرني فيها عن حاجته لتطوير “أو بمعنى أدق تجديد” هوية شركته. كانت الشركة محترمة، وكان جهد القائمين عليها واضحاً، وحجم الشركة كان منعكساً على مديرها “صاحب الرسالة” من حيث لباقته في الحديث وتنسيقه الجميل للرسالة.
قبل أن أقوم بالرد أو بأي شيء، توجهت للموقع لأتصفحه وأتعرف على هويته والشعار الخاص به. الشعار كان سيئاً لأبعد الحدود، ولا حرج بذلك “بالتأكيد إن كان رائعاً لم يكن ليراسلني ويطلب جهودي فيه”. الشعار كان عبارة عن دائرة ذات لون فاقع لا يمكنك النظر إليه لأكثر من ثلاث ثوانٍ، وكتب بداخله اسم الشركة بخط عفا عليه الزمن.
ردي لصاحب الشركة كان كنصيحة لتغيير الشعار وليس تجديده، فلم يكن يحتاج لتجديد لأنه غير موجود أصلاً 🙂. أخبرته ذلك بكل صراحة، بل وأخبرته بأنني لا أسميه شعاراً، بل مجرد شكل سقط بأعلى الصفحة سهواً. ابتسم وتقبل كلامي بصدر رحب، ووافقني، ثم طلب مني أن نكمل. أرسلت له عدة أسئلة ليجيب عليها “الأسئلة متعلقة بالشعار”، مثل: أهداف الشركة – منتجاتها – لماذا تعتقد أن الشعار يحتاج إلى التغيير وغيرها من الأسئلة التي توضح لي مفهوم العميل لما يحتاجه.
الإجابات كانت غير متوقعة، وكانت في ملف Word يتجاوز عدد صفحاته ملف الـ PDF الذي أرسله للزبائن بعد الانتهاء من الهوية. كانت ضبابية، ولا توجد فيها إجابة واحدة ثابتة.
مثلاً: ما هو السلوجن الخاص بالشركة؟
إجابته كانت: استخدمنا السلوجن الفلاني “…”، لكننا غيرناه إلى “…”، وحالياً نستخدم “…”، لكني أحب هذا السلوجن “…” لأنه يذكرني ببداية الشركة، وإن أحببت ابتكر سلوجن وأخبرني به!!
هل تميل لنمط معين بالشعار والهوية (رسمي – تقليدي – عصري – حديث – بسيط – معقد)؟
أحب الرسمي، لكني أميل للعصري الذي يحوي لمسة من الجنون، وكذلك أريده بسيطاً جداً وغير غامض وغير معقد، لكنه غير مفهوم من أول نظرة!!
الإجابات كلها تقريباً كانت على شاكلة النماذج السابقة. حتى في الحديث معي، كان مرة يتكلم بالعربي، ومرة بالإنجليزي. توقعت أن لديه مشكلة فقط بالتعبير عما يريده، “هذا الأمر يحصل كثيراً ولا حرج به”. حاولت أن أناقش كل سؤال معه، فكانت الإجابات تتغير، ووجدته غير متمسك بشيء، وكل ما يريده هو أن نبدأ العمل. لم أحب أن أعتذر عن العمل، لأن حماسه ولطفه كان طاغياً جداً، كلماته كانت مدروسة ولبقة، ولم يترك المجال لي أبداً.
ولكي لا أطيل الحديث، فعلاً بدأنا وانتهيت بعد 10 أيام تقريباً، وأرسلت له النماذج. تفاجأت جداً برده، لم يعجبه أي شيء، بل لم يعجبه أبداً. وللأمانة، لم تكن ردة الفعل سيئة، بل محترمة، ولكن لم يكن هناك أي شيء أستطيع أن أمسك به لأكمل العمل، أو أعيده حتى “أو أن أقوم ببعض التعديلات مثلاً”، أو حتى أن أنسفه بشكل كامل. لم يكن مقتنعاً به. كانت جملته: “تمنيت لو طلبت منك أن تطور الشعار فقط”، وعندما أخبرته بأنني سأقوم بتطويره وعمل بعض التعديلات، أجابني بأنه مقتنع بالشعار الحالي ولم يعد يرغب بتطويره أو تعديله، لننهي عملنا بهذه الطريقة!!
ولم تنتهِ القصة بعد… دخلت الموقع بعد عدة أيام لأفاجأ بإزالة الشعار القديم والاستعاضة عنه بكتابة الاسم فقط!!
الخلاصة: لا مشكلة أبداً بمساعدتك للعميل، على العكس، هذا الجانب هو جانب إنساني بعيد عن أي شيء آخر. تأكد من أنه سيقدر هذا الأمر، وسيذكره أمام الجميع. لكن إذا وصل الأمر إلى حدٍ لم يعد يحتمل، “كما حصل معي”، وكان هذا الأمر واضحاً من البداية “فالإجابات كانت كافية بتأكيد ذلك”، تأكد بأنك لست مجبراً أبداً على الاستمرار. ليس من أجلك ومن أجل وقتك فقط، بل من أجل عميلك أيضاً، فهو الآخر سيهدر وقته وماله.
كثرة التعديلات تؤدي حتماً لنتيجة غير منطقية
كم عدد التعديلات؟
هذا السؤال من الأسئلة الكلاسيكية التي تأتيني دائماً، وإجابتي كانت بأنني سأقوم بكل التعديلات والإضافات حتى يحصل العميل على نتيجة يرضى بها وتجعله سعيداً. كنت أنظر إلى الموضوع من جهة العميل، ووجدت أنه من الحكمة والعدل ألا يتم تحديد عدد معين من التعديلات لأسباب عديدة، أهمها رضاه وشعوره بالأمان. لكنني كنت مخطئاً بل ومخطئاً جداً.
في صباح غائم، وصلتني رسالة بريدية من عميل يطلب شعاراً لمدونته. كانت مدونته ذات تصميم رائع، وأعجبتني جداً لبساطتها، وجهد شخص معروف بهذا المجال فيها، كان يعيبها فقط الشعار، حيث كان تنفيذه سيئاً وغير احترافي.
وبعيداً عن ذلك، صاحب العمل كان شخصاً مشغولاً جداً، ذو ضغوطات كثيرة. كانت ردوده تأتيني دائماً بعد يومين، أو ثلاثة… لتصل إلى أسبوع في أحيان كثيرة، وأحياناً ينسى قراءة رسائلي تماماً.
المهم بدأنا العمل وقمت بتنفيذ عدة نماذج، وأرسلتها له. اختار أحدها. كل شيء كان جميلاً وسعيداً، لكن وكالعادة لم تستمر تلك السعادة.
عاد إلي بعد عدة أيام بطلب تعديل بسيط، ووافقته الرأي بالتعديل الذي طلبه، وقمت به. شاهد التعديل بعد أربعة أيام، ثم طلب تعديل آخر، وعاد إلي بنموذج ثلاثي الأبعاد يريد مثله. ثم بعد أسبوع طلب أن أعيد رسم الحواف لتبدو وكأنها مرسومة بشكل يدوي، وبعد ثلاثة أيام قرر إعادة النموذج السابق، ثم تغيير اللون فقط. ثم اكتشف بعد عدة ساعات بأنه أخطأ بتعديل اللون، ليطلب مني إعادة اللون الأصلي، ومن ثم تطبيق فلتر الـblur. “أخبرته بأنني لم أوافقه الرأي” واقتنع بذلك. ثم راسلني مرة أخرى يسألني فيها عن النماذج القديمة، وإن أمكننا دمجها سوية.
ولكي لا أطيل، ما زلت حتى هذه الساعة أقوم بأحد التعديلات التي طلبها “والتي أخبرني بأنها الأخيرة”!!
الخلاصة: تحديدك لعدد معين من التعديلات لا يضر، ولا يزعج العميل. قد تتغاضى عن الرقم بشكل دقيق، وقد تقوم بزيادته قليلاً. لكن عميلك سيعرف بأنه قد تجاوز الحد، وبالوقت ذاته لن تكون ملزماً تماماً بعمل كل التعديلات. أما عندما يكون المجال مفتوحاً له، فسيجرب كل الخيارات والنماذج، ولن يخسر شيئاً سوى بضع دقائق في المعاينة، وأخرى بكتابة رسالة جديدة لك، لكنك أنت من سيخسر وقتاً وجهداً لن يقدره أبداً.
نعم.. إنها سرقة، ويجب أن يعرفك الجميع!
كل شخص يتعامل معي يعرف أهمية موضوع الحقوق بالنسبة لي، وأعني هنا تحديدًا وضع اسمي في الفوتر. لكن أحيانًا قد أتنازل عن هذا الأمر إذا تم الاتفاق مع العميل بشكل واضح ومسبق. على سبيل المثال، قد أقبل إزالة اسمي من الفوتر إذا كان المشروع جذابًا ومهمًا وشعرت بالحماس تجاهه، أو إذا كان العميل شخصًا لطيفًا يعرف كيف يتعامل مع هذا الموضوع وأقنعني بذلك. لكن بخلاف ذلك، لا أوافق على إزالة الحقوق أبدًا.
لن أطيل الحديث وسأنتقل مباشرةً إلى القصة: راسلني عميل وطلب مني تصميم هوية كاملة بالإضافة إلى تصميم موقع. كان كل شيء يسير بشكل جيد، بدءًا من الاتفاق على التفاصيل مرورًا بالتكلفة والمدة الزمنية. كان العميل لطيفًا لدرجة أنني لم أشعر بالحاجة إلى إرسال اتفاقية الاستخدام له (رغم أنني لا أحب هذا الاسم، لكن لم أجد اسمًا أفضل). وافق العميل على كل شيء وكان معجبًا بأسلوبي في العمل، وأصبحنا أصدقاء إلى حد ما.
أنهينا العمل بكل صدق وأمانة، ولم تكن هناك أي مشاكل تذكر. قمت بإغلاق المشروع وشطبت المهام المتعلقة به.
مرت عدة أيام، وقررت زيارة الموقع لأرى جهود الفريق فيه. لن أخفي عنكم أنني كنت متحمسًا جدًا لهذا المشروع؛ فقد كنت مرتبطًا به لسبب بسيط وهو أننا عملنا عليه كفريق. نعم، لقد فوجئت ببعض التغييرات في التصميم وبعض الإضافات الغريبة التي لم يكن من الضروري وضعها. لكن هذا أمر طبيعي، فالخيار الأخير يكون دائمًا لصاحب المشروع. المهم، بدأت بتصفح الموقع وكنت مبتسمًا لأن الموقع أصبح يحتوي على منتجات وأسعار وعمليات بيع.
ولكن مع الأسف، لم تدم ابتسامتي طويلًا. فقد تفاجأت بإزالة اسمي من الفوتر. ولأصدقكم القول، توقعت أن يكون الأمر مجرد خطأ عابر أو أنه تمت إزالته دون قصد. فالعميل لم يكن من النوع الذي يبدو عليه الخداع؛ بل كان شخصًا جيدًا. قمت بمراسلته على الفور.
وكان رده لطيفًا، حيث أخبرني بأنه أزال الحقوق بناءً على تعليمات شركائه في الموقع، واعتقد أن الأمر كان اختياريًا وأنه مستعد لتلبية أي طلب يرضي الطرفين. أخبرته أن هذا الأمر مهم بالنسبة لي ولا يمكنني التغاضي عنه بهذه السهولة.
ثم وعدني بأنه سيتواصل مع شركائه لإخبارهم بالقصة. ولكي لا أطيل عليكم، جاء الرد بعد فترة بأنه “لم يتم التطرق لمسألة حقوق الفوتر، ولم يكن هناك أي التزام من جانبنا بوضعها”. عندما أخبرتهم بأنني أرسلت جميع التصاميم للمعاينة وكانت جميعها تحتوي على الحقوق في الفوتر، حتى بعد البرمجة، وعدوني بأنهم سيناقشون الأمر وسيعودون لي برد.
وكانت تلك آخر مرة…
أعتقد أنني كنت “ساذجًا” بتوقعي أنهم سيقومون بإعادة الحقوق بعد إزالتها. فمن يزيل الحقوق دون إذن وبشكل مخفي، لن يعيدها! هذا الأمر أشبه بالسرقة؛ فمن يسرق لا أعتقد أنه ينوي إعادة ما سرق! وتأكدوا، لو أنهم تواصلوا معي قبل الإزالة لكان هناك احتمال كبير بموافقتي على ذلك. ولكن السرقة، سرقة، حتى ولو كانت معنوية، أليس كذلك؟
الخلاصة:
تأكد دائمًا من إرسال حقوق الاستخدام للعميل، حتى ولو كان أكثر الأشخاص لطفًا على الأرض. أنت تتعامل مع شخص خلف الشاشة، ولا تعرف فعلاً من هو ولا تعرف أخلاقه وسلوكياته. وإذا كان فعلاً شخصًا بهذا اللطف، بالتأكيد لن يتضايق من الاتفاقية؛ فهي تضمن حقه تمامًا كما تضمن حقك بالعمل.