بعد تخرجه من نيوكاسل، حصل على أول جهاز أي ماك، لكنه بالتأكيد لم يعرف أنه بعد عقدين من الزمن سيكون هو من سيقدمه من جديد. إنه مصمم (الأيبود، الأيماك، الماك بوك، الايفون، والأيباد). وكما سيوف الساموراي، خفيفة، مصقولة، وحادة وذات حرفية عالية بالصنع، إنها رؤية “جوني آيف”، عبقري التصميم في شركة أبل. يسعى دائمًا لإنتاج مواد جديدة ويبحث عن أحدث الطرق والمبتكرين لإنتاج أنحف الحواسيب بالعالم، لدرجة تجعله يسافر في رحلة تستمر 14 ساعة لعقد اجتماع مع أحد الصانعين اليابانيين في كاثانا.
بعد تجاربي السابقة بالحصول على منتجات شركة أبل، جلست أسأل نفسي: ما الذي جعلني أدفع كل هذا المبلغ على جهاز لوحي أو هاتف نقال أو حاسب صغير توفره أي شركة أخرى بنصف الثمن؟ وما الذي جعلني أنتظر منتجاتهم باليوم حتى يبدأ بيعها في أسواقنا؟ ومن ثم، عندما أحصل على أحدها وأفتح المغلف، أجده مرفقًا فقط بكتيب بحجم الكف مؤلف من صفحتين ولصاقتين لشعار الشركة ووصلة تزامن وشحن!! هل استحق الأمر هذا العناء والتعب، وذاك الإخلاص للشركة التي أشتري منها منتجًا لأول مرة ثم أكررها من جديد؟ أم أن ذاك الضخ الإعلامي والتسويق العبقري هما ما جعلني كالأعمى أخوض مع الخائضين؟
نفس السيناريو دائمًا… كلما أحصل على منتج من منتجات شركة أبل، أبدأ بتفحصه جيدًا، أمسك به من كل الجوانب، أقلبه يمينًا ويسارًا، أحاول أن أدقق في كل تفصيل صغير فيه، وكل انعكاس من انعكاسات زواياه، ثم أقوم بتشغيله. كنت دائمًا أشعر بتلك الرهبة وذاك الإحساس المندفع خلف طوابير المشترين. تمر علي كل لحظة قرأت فيها تقريرًا عن أحدها، وكل حرف انساب من كل جملة ذُكرت فيها عبارة “أبل”. نعم، لقد استحق ذلك العناء والإخلاص. بل إنني لم أشأ تركه من يدي. كان يكفيني انسيابية حوافه ودرجته اللونية وشعار العراقة المحفور على ظهره. فعلاً، لم يكن ضخًا إعلاميًا بل كانت مجموعة ابتسامات متفرقة عبر عنها كل شخص بطريقته. ولم أخض مع الخائضين بل أعطيت نفسي فرصة تجربة شيء مختلف تمامًا، شيء استحق أن أقدر جهد كل شخص كان وراء خروجه إلى الواقع، جهد كل عامل مر هذا الشيء من أمامه، وثمرة عمر ذاك الشخص الذي أضاعه حتى يرى منتجاته تدخل كل منزل وتحقق شهرة تعوضه عن تعبه وسنين عمره التي قضاها بأحلام استطاع تحويلها إلى واقع، بل إلى طريقة وأسلوب ونموذج لكل شخص أمسك بيده منتجًا من منتجات شركته.
ما الذي سأقدمه هنا؟
لن أتكلم عن قصة نجاح شركة أبل، ولن أتكلم عن ستيف جوبز أو على الأقل ليس الآن. ما سأتكلم عنه هو مصمم منتجات شركة أبل الرائعة (أيبود، أيماك، ماك بوك، ايفون، أيباد). نعم، لا يعمل عليها لوحده، بل يملك فريقًا من العباقرة والمميزين، لكنه هو مصمم تلك المنتجات الحقيقي وصاحب أفكارها ومخرجها من الورق إلى الواقع. هذه التدوينة مضى على تجهيزها قرابة الأربعة أشهر. نعم! فقد بحثت في كل صغيرة وكبيرة على الإنترنت تتعلق بـ “جوني آيف” وكل شيء كان هو فيه، وكل تدوينة تحدثت عنه، وبدأت العمل على تلخيص كل ما يتعلق به. قمت أيضًا بتخطي أغلب فصول “كتاب ستيف جوبز الرسمي” حتى أصل إلى الفصل الذي يتحدث عن جوني آيف واستوديو شركة أبل لأترجمهم وأجمعهم معًا وأقدمهم هنا.
هل تجد كل هذا يستحق القراءة؟ إذا كان كذلك، أكمل معنا.
جوناثان بول آيف
مصمم بريطاني وهو نائب رئيس التصميم الصناعي في شركة أبل. ولد في شهر فبراير من سنة 1967 في إنجلترا، الولايات المتحدة. تزوج من هيذر بيج في عام 1987 والتي التقاها عندما كان يبحث عن درجته في مادة التصميم الصناعي في جامعة نورثمبريا. لديهم توأمان ويسكنان في منطقة “توين بيكس” في “سان فرانسيسكو”. كما يفضل تسميته بـ “جوني”. درس الفن والتصميم في جامعة نيوكاسل (Newcastle) في إنجلترا. سلوكه هادئ، يترك زوجته وأولاده التوأم في منزلهم بسان فرانسيسكو ويذهب مسافة قصيرة بالسيارة إلى مكان عمله في أبل “ببنتلي بروكلاندز”.
إن خبرة والده أثرت بشكل كبير عليه، حيث كان رسامًا فنيًا وذو مهارة مبهرة وكان معلمًا في “ستانفورد”.
عندما انتهى آيف من سنوات دراسته في دورة التصميم الصناعي في نيوكاسل، حصل على أول جهاز ماكنتوش، لكنه بالتأكيد لم يكن يعرف أنه بعد عقدين من الزمن سيكون في شركة أبل وهو من سيعيد تصميم هذا الجهاز.
نادراً ما يتحدث لوسائل الإعلام ولا يملك حساب تويتر حتى، ولا يسمح لأحد، حتى كبار شركة أبل، بالدخول إلى مختبره. تلك سياسته وسياسة شركة أبل. كما يقتصر حديث آيف عن مواضيع التصميم في المناسبات النادرة فقط.
“إن غرور جوني يتناغم بشكل كامل مع الحمض النووي لشركة أبل”
يعملون بدموية لأسابيع وأشهر. يعملون بسرية ويثقون بما ينتجون.
إلى أبل…
في عام 1989، انضم كشريك في شركة تانجارين (Tangerine). جاء ذلك بعد تقديمه تصاميم فريدة لشركة تجهيزات الحمامات في نيوكاسل وبعد تقديمه عرضًا رائعًا للشركة، حينها تعامل مع منتجات متنوعة ما بين الأدوات الكهربائية إلى أحواض الغسيل. كانت شركة أبل حينها عميلة لشركة Tangerine التي كان يعمل فيها. كان يقدم أيضًا مجموعة من استشارات التصميم لبعض الشركات الأخرى المختلفة، الأمر الذي لفت انتباه شركة أبل لهذا الشخص.
وفي أحد الأيام، طلب أحد مسؤولي شركة أبل من جوني الخروج قليلاً للتكلم تحت أشعة الشمس. رغم أن الجو لم يكن مشمساً، لكن عند عودة جوني والابتسامة على وجهه عرف الجميع أنه تلقى طلبًا بالعمل. نعم، كان هذا الطلب من شركة أبل عام 1992.
كانت أبل في تلك الفترة تعاني الكثير من المشكلات مع مايكروسوفت وغيرها كمشاكل براءات الاختراع وبعض الأمور الأخرى المتعلقة بالجانب الفني لمنتجاتهم.
لكن لم تكن الصورة كما كان يتوقعها جوني في شركة أبل، حيث كانت حياته المهنية فيها مشؤومة نسبياً. حيث بدأ العمل في طابق سفلي في الشركة ولم يكن أحد ينظر له ولعمله. وعلى مدار السنوات الثلاث الأولى كانت سنواته بائسة جداً.
منذ عودة ستيف جوبز لشركة أبل عام 1997، تغيرت حياة جوني المهنية تماماً. كان ستيف يبحث عن المبدعين لتطبيق فكرة غريبة برأسه، وتلك الفكرة كانت:
جهاز الأيماك الأول
أخبره سيتف جوبز في أواخر التسعينات بأنه يريد العمل على آيماك جديد بمفهوم مختلف تماماً عن باقي أجهزة الحاسب الشخصي. كان يريده أكثر حيوية وجاذبية. وهنا كانت فرصة جوني للكشف عن موهبته وإبداعه. ومن أفضل من ستيف جوبز ليحتضن تلك الموهبة؟ وليثبت جوني بدوره لستيف ولشركة أبل أن الوقت قد حان ليظهر هو على السطح ويطوي أيامه التعيسة في صفحات الماضي. وهو تحديداً الأمر الذي جعل جوني يمضي الساعات الطوال في معامل الحلوى للحصول على روح الإلهام النابعة منها. كان ستيف يريد أن يخبر العالم بأن الآيماك ليس جهازًا للعمل فقط، بل جهازًا للترفيه أيضاً. وهي الرسالة التي فهمها وتبناها جوني طبعاً، وبكل تأكيد، لا ننكر أن فكر ستيف ونظرته الخاصة للمستقبل زرعت تلك البذرة الإبداعية بروح جوني. لكن لجوني الفضل بتحويل تلك الأفكار إلى حقائق إبداعية راسخة مرتبطة بشركة أبل وأسمها العريق الذي نتفق عليه اليوم.
قضى آيف وفريقه وقتًا لا يمكن لأحد أن يتخيله بين البحث، والرسم، والتنقيب، والتجريب، وطريقة استخدام الألوان عند تصميم جهاز الأيماك الجديد بشكل متناسق ومتناسب مع طبيعة أجهزة الحاسب آنذاك.
فمثلاً، أمضى آيف شهراً كاملاً من العمل المتواصل من أجل وقوف الآيماك على سطح المكتب، وطريقة توضعه الفريدة من نوعها.
وفي مايو 1998، أدخلت شركة أبل آيماك g3 للأسواق. كان الأمر مختلفاً بشكل كبير عما تعود عليه الناس في تلك الحقبة من أجهزة الحاسب حيث كانت قاتمة اللون والمميتة الشكل. بينما كان الآيماك على شكل بيضة شفافة، وأضف إلى ذلك كل تلك القطع التي كانت في جهاز واحد كانت جميلة بحق. وهنا بدأت ثورة شركة أبل. لكن وعلى الجانب الآخر، ورغم إبداع آيف وستيف فيه، واجهوا صعوبة بتقبل المستخدمين لشكله ولتقنيات “USB” الحديثة آنذاك التي سببت بعض المشاكل والآراء المتضاربة بين مؤيد ومعارض. وعلى الرغم من بعض الأخطاء في الأيماك الأول وبعض المشاكل التي جعلته يتوقف عن البيع لفترة، إلا أنه يخبرنا أنه حان الوقت لتوديع المشاكل ومحاولة الوصول للإتقان والإحتراف وهز العالم من جديد وتطبيق فكرة ليست غريبة من نوعها فحسب بل ثورية. إنها:
جهاز الأيبود الأول
عندما طرح الأيبود في 2001، اختلفت بعض الأمور وأظهروا لعملاء الأيبود بأنهم يفكرون بطريقة مختلفة، ويفهمون تماماً معنى البساطة في تجربة الموسيقى. فحتى الأيبود الأول كان إبداعًا في عالم الهندسة. لم يكن يحوي سوى مقبس لسماعات الأذن ومنفذ للشحن وإدخال البيانات. فحتى الأرقام التسلسلية كانت محفورة على كل قطعة حتى يتجنبوا تلك اللصاقات القبيحة.
ولا ننسى أيضاً سماعات الأذن ذات اللون الأبيض، والتي كان من النادر بل من المعدوم أن تشاهد سماعات ذات لون أبيض. ويخبرنا جوني أنه عندما كان يعمل على سماعات أبل البيضاء، قابل عدد من الأشخاص وسألهم عن رأيهم في لون السماعات. كان الجميع يستثني اللون الأبيض ويظنه أمرًا تافهًا أن تكون السماعات بهذا اللون الغريب.
أيضاً، كانت العجلة الموجودة فيه تجعلك تظن أنه سماعة استريو. وهي نفسها الملاحظة التي سمعها آلاف المرات. لم تكن مشغلات الوسائط في ذلك الحين بتلك المساحة التخزينية، أو سهولة الاستخدام، وكانت العجلة كما يقول هي الشيء الأساسي المبتكر فيها. وهو ما يجعلها سهلة الاستخدام، مميزة الشكل، لتألفها وتعشقها فيما بعد.
حان الوقت للإبتعاد قليلاً عن شركة أبل والتحدث عن جوني أكثر ولنبدأ بـ:
مفاتيح نجاح جوني آيف
المفتاح الأول: إنه يحب أن يجعل الأشياء كاملة، متقنة، وغاية في الإبداع والتوازن والرقي.
المفتاح الثاني: نقطة هامة يركز عليها وهي “التفاعل بين التصميم والصنع”. فمثلاً، الماك بوك برو المصنوع من قطعة واحدة من الألمنيوم هي نقطة إيجابية للتصميم والعمل في آن واحد.
المفتاح الأخير: وهو التنسيق والتفاعل بين المصمم، وصاحب الشركة، وهو ما حصل عليه آيف. فمن أفضل من ستيف جوبز بذلك؟
ما الذي يلهم جوني آيف؟
الطبيعــة: هناك العديد من المنتجات التي استمد إلهامها من الطبيعة، منها “الماجيك ماوس” حيث استمد وحيها من قطرات الماء. نفس الأمر مع جهاز الأيماك g3 والذي استمد الهامه من زهرة عباد الشمس.
العسـل: حيث أثر على العديد من تصاميمه كما يقول، وقاده لإنشاء تصاميم من الألمنيوم والبلاستيك.
الموسيقا: يحب الموسيقا، تلهمه، وتسيطر على أحاسيسه حتى في أصعب أوقات العمل.
مـا حوله: يقول جوني آيف إنه يأخذ ويشتري الأشياء دون أن ينظر داخلها. يتفحص شكلها الخارجي، ويدقق في كل تفصيل صغير بها.
Dieter Rams في حياة جوني
معلومة لا يعرفها العديدون أن جوني آيف يستمد إلهامه من مصمم آخر عبقري هو Dieter Rams. طبعًا، ديتر هو الرجل الذي يقف خلف تصاميم براون والذي قدم أهم التصاميم من الراديو إلى العصارات.
يتحدث آيف عن ديتر قائلاً: أسطح تصاميمه جريئة، نقية، إنسيابية، ومتماسكة، وتشعر بالجهد الذي بذله فيها. ويقول أن ديتر رامس وفريقه غيروا العديد من المعاني في تلك الحقبة، وفعلوا أشياء تستحق الإقتداء بها حتى تعطى على الأقل جزء بسيط من حقها.
يقول ديتر عن أبل: إن شركة أبل واحدة من العلامات الفريدة التي تستحق كلمة تصميم على منتجاتها. ولقد لاحظت أن التصاميم الجيدة والجريئة لا تظهر إلا إذا كانت هناك علاقة قوية بين المصمم ورجل الأعمال المسؤول أو صاحب الشركة. وهي حالة شركة أبل بين ستيف وجوني.
أنا أبهر دائمًا عندما أرى منتجات شركة أبل والنتائج التي تحققها واستخدامها لقوة منتجاتها لإقناع الناس على الوقوف في طوابير للشراء منها.
لم ننتهي بعد… قد يكون لنا عودة بالمزيد