أطلقت قبل عدة أيام: بيكاليكا “متجر لبيع التصاميم والأعمال الفنية العربية”. الفكرة كما ذكرت سابقاً ليست جديدة، لكن تركيزي فيها كان على المحتوى العربي وجودته وطريقة توظيفه لخدمة المصمم والمستخدم. في هذه التدوينة لن أتحدث عن بيكاليكا ومحتواه وغيرها، بل سيكون طابع التدوينة شخصي، وسآخذكم بجولة عمرها ثلاث سنوات أتحدث فيها عن بيكاليكا كمشروع وكيفية ظهوره. ورغم أن مقياس الوقت الذي مر على بيكاليكا لا يعتبر ميزة فيه، لكن أكتب ما أكتبه هنا أولاً “كتذكرة وتوثيق”، وثانياً لمن يفكر بالعمل على مشروعه أو إطلاقه، فستكون هذه الجولة تشجيعية له أو لمحة مستقبلية لما قد يمر عليه أثناء العمل على مشروعه وإطلاقه.
بيكاليكا قبل ثلاث أعوام
العمر الحقيقي لبيكاليكا هو ثلاث أعوام، كنت قد أسميته وقتها istockds وهذه صورة لتصميم الموقع وقتها. صممت الموقع وطورته على ووردبريس لوحدي، ثم هجرته بعد فترة، وكنت فقط أنتظر الفرصة المناسبة لإعادته من جديد، بحيث أستطيع تنفيذه بشكل صحيح قدر الإمكان، دون “استهلاك للفكرة” أو إطلاقها لمجرد أنني فكرت بها.
بيكاليكا قبل عامين
في إحدى جلساتنا أنا ومحمد، تحدثنا عن ديزاين ديل، المشروع السابق، وإمكانية تطبيق الفكرة وتخطيط مبدئي لها. ذكرت وقتها istockds وأعدنا التفكير به بشكل أكثر حرفية أو جدية، وكانت بداية اسم بيكاليكا تحديداً في 15 أيار 2012 عندما قمت بحجز نطاقه وقتها.
بقي بعدها بيكاليكا حبيس الأوراق والمسودات، ثم قررت أن أبدأ التخطيط له من جديد وفق أسلوب وتوجه أبسط من السابق، ومن ثم العمل عليه بشكل فعلي. بدأت برسم الخطوط الأساسية والأفكار وغيرها، ثم انشغلت كالعادة بمشاريع لبعض العملاء وعلى مدى عدة أشهر متتالية أجلته فيها أكثر من مرة. كلما اقتربت من التنفيذ، كنت أتوقف لسبب ما. كملاحظة عامة هنا، تأجيل تنفيذ المشروع أو إخراجه بأفضل صورة هي ببساطة “اللعنة الأساسية للمشاريع العربية”. الأفكار تموت مع الوقت ولا يبقى لك شغف تنفيذها، لذا حاول كشخص يحمل فكرة لمشروع ما، تنفيذها بأسرع وقت وإخراجها للواقع ثم العمل عليها وتطويرها.
بيكاليكا قبل 7 أشهر
في مجتمعنا ومحيطنا العربي نواجه مشكلة مهمة مع المستقلين “المصممين والمبرمجين” وهي عدم الالتزام أو أخذ الأعمال والاتفاقات بجدية. فأنت تتفق مع الشخص بشكل كامل، ثم ما يلبث أن يختفي من حياتك فجأة ليعود بسيل من الأسباب والتبريرات “الدراسة، المرض، الموت، وغيرها”. لذا لا ألوم العملاء أحياناً على بعض تصرفاتهم مع المستقلين، فالصورة السلبية هي الأكبر هنا. مشكلتي الحقيقية كانت في إيجاد مبرمج “ملتزم وجريء” يستطيع أن ينفذ عكس ما أطلبه فقط لأنه الصحيح أو الأصح، ويستطيع التصرف دون الرجوع لي في كل حركة “ويكون هذا التصرف سليماً”، ومن ثم يخرج منتجاً صالحاً للاستخدام، وليس للمشاهدة فقط.
ثم خطر ببالي عثمان فجأة، وكان شخصاً قد تعاون معي في السابق بالعمل على شعار لشركته. تذكرت أنه مطور لكن لم أذكر تماماً أعماله أو جودتها. فراسلته وأبدى قبوله وإعجابه بالعمل والفكرة، ثم أرسلت له المخطط الأساسي للموقع، وأرسلت التصميم بعدها بفترة، ثم بدأنا العمل. لكني للأمانة كنت متخوفاً ومتردداً أن لا يكون العمل كما أريد، لكن ما جعلني متحمساً ومتفاجئاً بالوقت نفسه، هو أنه أرسل الواجهة بشكل بسيط كـ “HTML” لمعاينتها واختبارها بعد يوم فقط من إرسال التصميم.
تخيل أن ترسل لمطور تصميم لواجهة موقع، وتتناقش معه إن كان ينوي استخدام Bootstrap مثلاً، فيعود لك بالواجهة بشكل شبه جاهز لاختبارها! ولهذه الحركة أبعاد أخرى غير اختبار الجودة، أهمها أن الشخص مهتم وملتزم ومتحمس لما يقوم به، وليس تنفيذاً لمجرد التسليم والانتهاء. نعم، تأكدت وقتها أني في الطريق الصحيح، وحمداً لله على ذلك، وعلى وجودك يا عثمان المبدع. ثم بدأنا العمل لمدة 6 أشهر شبه متواصلة تقريباً، حتى وصلنا إلى مرحلة إطلاقه.
إطلاق بيكاليكا
قبل إطلاق بيكاليكا بعدة أيام، تحدثت مع عبد المهيمن وعرضت الموقع عليه ليعطيني رأيه وملاحظاته. وفعلاً، كانت هناك أمور مصيرية وجوهرية غيرتها في الموقع بناءً على مقترحاته. ولن يكفيه شكر واحد أكتبه هنا بكل تأكيد.
ثم أتحت لبعض المصممين تجربة الموقع، منهم: أحمد شديد. وبناءً على ملاحظاتهم، ظهرت العديد من الأمور التي وجب تعديلها، وظهرت العديد من الأشياء التي لم تخطر لي.
وبعد عدة أيام من التركيز والضغط وتصحيح لبعض الأمور هنا وهناك “نظراً لاقتراب الوقت الذي حددته للإعلان عنه” والضياع بين الضروري والأهم، وبعد أن انتهينا بشكل شبه كامل من تعديلات قبل الإطلاق، كتبت تغريدة على تويتر دون أن أقوم بنشرها. جلست أنظر إليها وأفكر بما مر علي، ثم قمت بالنقر عليها ونشرها. سألني عثمان عن سبب إطلاق الموقع هكذا، فأخبرته وكنت متأكداً مما أقوله: لو أجلتها دقيقة واحدة إضافية، لأصبحت أياماً من التأجيل، وكان ما تشاهدونه اليوم.
بيكاليكا خلال 15 يوم
رغم أني أعمل بشكل مستقل، وصادفت العديد من العملاء. بعضهم يمكنك أن تضع اسمه على جدار من الذهب، والبعض الآخر لا تستطيع حتى التفكير به.
مر علي خلال هذه الأيام نماذج لمستخدمين لم أكن أتوقع يوماً أن أصادفهم بهذه السرعة أو بهذه الطريقة. فمنهم من حاول اختراق الموقع في أيامه الأولى، والبعض فضل الاستهزاء وتكرار جملة “مشروع فاشل”، ثم فضل آخرون اتهامنا بالنصب أو انتهاك الحقوق. ومنهم من تضايق بسبب رفض عمله أو طلب رفع الأعمال التي تقدم بها، فبدأ ينشر اسم الموقع هنا وهناك مع العديد من الاتهامات. وقس على ذلك.
في الوقت نفسه، هناك أشخاص تبتسم لمجرد أنهم يشاركونك الهم والنصيحة والدعم، والبعض يقف مدافعاً عنك أمام المتبجحين لمجرد أنه مؤمن بالفكرة أو يقدر جهودك فيها.
بالنهاية، أعرف تماماً أن ما مررت به خلال هذه الفترة البسيطة جداً، هو لا شيء، قياساً بتجارب ومشاريع عربية محترمة أخرى صادفت من المشاكل ما لا أستطيع تخيله.
لكن بعد كل هذا، أنظر إلى بيكاليكا وأنا متفائل. أقرأ رسائل المدح أو الذم والانتقادات بأنواعها وأنا مبتسم “أو أحاول ذلك”. فسواء أقدر الله لي الاستمرار في بيكاليكا أو لا، أعرف تماماً أني أضع الآن حجر أساس لمفاهيم جديدة على العالم العربي في مجال التصاميم والأعمال الفنية وبيعها أو التعامل معها أو حتى الذوقيات العامة لها. بذلك واجهت وسأواجه أنا وغيري ممن يعمل على مشاريع كهذه الكثير، لكنها ستكون حتماً في يوم من الأيام مسلمات لا يناقشك أحد بها.