انها جولة سريعة داخل استديو التصميم في شركة أبل، الذي يرأسه العبقري جوني آيف. يقع هذا الاستديو في الطابق الأرضي من المبنى الثاني بمجمع أبل في شارع إنفاينايت لوب. يتميز المكان بنوافذه المصنوعة من القصدير، وبابه الثقيل الموصَد، ما يعكس الطابع الحصري لهذا الاستديو. في الداخل، يوجد مبنى استقبال صغير زجاجي يجلس عنده موظفان مساعدان، ومن المسموح – حتى لكبار موظفي أبل – الدخول دون إذن خاص. على يسار المدخل تجد مجموعة من المكاتب يجلس إليها صغار المصممين، وعلى اليمين توجد غرفة رئيسية تحتوي على ست طاولات طويلة مصنوعة من الحديد لعرض التصميمات التي لا تزال في طور التصنيع. خلف الغرفة الرئيسية يوجد استديو التصميم الذي يعمل بمساعدة الحاسب، ويمتلئ بمكاتب العمل التي تقود إلى غرفة تضم أجهزة تحوّل ما يُعرض على الشاشات إلى نماذج إسفنجية، وخلف ذلك غرفة طلاء تعمل بالأجهزة الآلية لتجعل النماذج تبدو حقيقية.
يبدو المكان صناعيًا، حيث تضم الغرفة ديكورات مطلية باللون الفضي، وتضفي أوراق الأشجار الموجودة بالخارج انعكاسات من الضوء والظل على النوافذ المصنوعة من القصدير. تُشغل موسيقى التكنو والجاز بصوت خافت في الاستديو، ما يضفي أجواءً هادئة تساعد على التركيز والإبداع.
ستيف وجوني: الشراكة الإبداعية
كان ستيف جوبز يذهب إلى الاستديو كل يوم تقريباً عندما كان بصحة جيدة. كان يقضي وقته هناك في تناول الغداء مع جوني آيف، ثم يتجول في الاستديو ليرى المنتجات التي ما تزال في خط التصنيع. كان يتحسس التصميمات بأطراف أصابعه ليشعر بمدى توافقها مع استراتيجية الشركة. غالبًا ما كانا يقومان بهذا الأمر بمفردهما، بينما يتابع باقي المصممين ما يحدث من على مكاتبهم.
وعندما كان جوبز يواجه مشكلة معينة، كان يتصل برئيس التصميم الميكانيكي أو غيره من نواب آيف. وإذا جذبه شيء أو أوحى له بفكرة معينة، كان يسأل تيم كوك “الرئيس التنفيذي لشركة أبل حاليًا” أو مدير التسويق “فيل تشيلر” للانضمام إليه.
وقد وصف آيف هذه العملية المعتادة كما يلي:
“هذه الغرفة الرائعة هي المكان الوحيد في الشركة الذي يمكنك من خلاله رؤية كل ما نستعين به في العمل. عندما يدخل ستيف، يجلس على إحدى هذه الطاولات، فإذا كنا نعمل على تصميم جهاز iPhone جديد – على سبيل المثال – قد يمسك بأداة ويبدأ في اللعب بمختلف النماذج، ويتحسسها بيده، ويذكر ملاحظاته على التصميم الذي يعجبه أكثر. ثم يسير بمحاذاة باقي الطاولات – معي أنا فقط – ليرى إلى أين تتجه باقي المنتجات. وكان يلقي نظرة على منتجات الشركة بالكامل: جهاز iPhone, iPad, iMac, MacBook وكل شيء نصنعه. هذا كان يساعده على معرفة أين توجه الشركة طاقاتها وكيف يتم ربط الأمور ببعضها. كان يسأل: “هل القيام بذلك أمر منطقي، لأننا نركز في هذا الأمر كثيراً؟” أو يطرح سؤالاً من هذا القبيل. كان يرى الأشياء وعلاقتها ببعضها، وهو الأمر الذي ينطوي على بعض الصعوبة في الشركات الكبيرة. وبنظرة على النماذج الموجودة على الطاولات، كان يرى مستقبل السنوات الثلاث التالية.
كانت أغلب عملية التصميم عبارة عن مناقشة تدور بيننا ونحن نتجول في الاستديو جيئة وذهاباً، نسير حول الطاولات ونلعب بالنماذج. وقد كان محقاً في ذلك؛ فقد اندهشت عندما صممنا نموذجاً ثم أدركنا أنه سيئ للغاية، بالرغم من أنه بدا رائعاً على الحاسوب.
كان يحب القدوم إلى هنا لأن المكان كان هادئاً ولطيفاً. كنت ستجده كالجنة لو كنت شخصاً يحب الاعتماد على حاسة بصره. لم تكن هناك عمليات رسمية لمراجعات التصميمات، لذلك لم تكن هناك قرارات ضخمة تُتخذ. وكانت القرارات تُتخذ شفهياً، ونظراً لأننا كنا نكرر هذه العملية كل يوم ولم نقطعها أبداً، لم نكن ندخل في خلافات كبرى.”
على الهامش
هذه التدوينة هي بمثابة تكملة لتدوينات “جوني آيف وتفاحة الإبداع”، والتي جمعتها في تدوينة واحدة. لذا إن لم تكن قد قرأتها بعد، فأنصحك بذلك فوراً 🙂