المزاج هو الجزئية الأهم في حياتنا، وله الدور الأكبر في مهنتنا. قد لا يرتبط المزاج بمقدرتك على ممارسة العمل الروتيني نفسه، لكنه بلا شك مرتبط بالإنجاز. وإذا أردنا أن نكون شاعريين ومرهفين أكثر، فسنقول إنه الرابط الأهم للإبداع والتغيير الحقيقي في مهنتك وعملك.
إنجازك وإبداعك سيتضاعفان عندما تكون في قمة حماسك وهدوئك وتركيزك وراحتك النفسية، وسينخفضان عندما يعكر صفوك شيء آخر. وبالتأكيد هناك أمور عامة وروتينية تعكر المزاج والراحة النفسية لأغلب الناس، كالتعامل مع ورقة رسمية في دائرة حكومية مثلاً. لكن الأهم والأكثر إزعاجاً وتأثيراً على المدى الطويل هي الأمور النفسية والشخصية، وهي بالتأكيد تختلف من شخص إلى آخر. بالنسبة لي، الاجتماعات بأنواعها، والدخول في روتين يومي ممل، أو الشعور بالالتزام تجاه شيء معين أيًا كان نوعه، هي أمور تؤثر على مزاجي.
مهما كانت الأسباب أو الظروف، سواء أكانت تحت إرادتك أم لا، هناك أنشطة وأمور قد تكون مفيدة في حماية مزاجك والمحافظة عليه. في مرحلة معينة، وحتى تستطيع الاستمرار بما تقوم به بفعالية، ستحتاج إلى إصلاح مزاجك وموازنته قدر الإمكان. وسيصبح هذا الأمر ضرورة وليس شيئاً ترفيهياً أو إضافياً للتسلية.
إليك خمسة أمور “أحاول” تطبيقها أغلب الأحيان وأجدها مفيدة بعد تجربتها:
اجلس وحيداً
بالنسبة لي، هذه النقطة هي الأهم والأكثر فعالية. الجلوس وحيداً دون التزام أو نشاط عملي حقيقي مجبر على القيام به مفيد جداً. خصص يوماً في الأسبوع للخروج بمفردك. اختر مكاناً تحبه، مثل مقهى صغير، أو شاطئ هادئ، أو شارع مزدحم. اجلس فيه واترك المجال لعقلك. لا تتحدث مع أحد، وأغلق هاتفك إذا لزم الأمر. زر المكان نفسه عدة مرات حتى تمل منه، ثم قم بتغييره كل فترة واجعل هذا الأمر عادة إذا استطعت. قد تشعر بغرابة الأمر في البداية، خصوصاً لو كان جديداً عليك، لكنك ستعتاد عليه لاحقاً.
ولاتجلس وحيداً
لا تعني الفقرة السابقة أن تصبح انطوائياً أو منعزلاً. ابحث عن صديق، شريك، أو فرد من العائلة يمكنك التحدث معه عن ما يشغل بالك أو يزعجك. من المفيد أن يكون هذا الشخص صبوراً ويحبك لتتمكن من التحدث معه بحرية وراحة. اختر مكاناً جميلاً وهادئاً وتحدث واستمع دون مقاطعة. اجعلها عادة تخرجك من الضغط والتعقيد والتداخل اليومي للحياة.
خفف التزاماتك
لا تلزم نفسك بشيء إلا للضرورة المطلقة. إذا سألتك: أيهما تفضل، البحر أم الحائط؟ ماذا ستختار؟ بالطبع، البحر أكبر وأوسع وأكثر جمالاً، صحيح؟ في حالتنا هذه، الحائط أفضل. فكلما رميت عليه شيئاً، سيرده ويعود لك. عود نفسك على قول “لا” ببساطة وبدون تعقيد. لا تلزم نفسك بوقت أو يوم أو شيء إلا إذا كنت ترغب في ذلك حقاً.
القليل أفضل
عود نفسك على البساطة إذا استطعت. استخدم حاسب واحد، هاتف واحد، اعمل على مشروع واحد. حاول السير على الأقدام إذا أمكن، اجلس في مقهى متواضع، تناول كمية طعام أقل، ركز في اتجاه واحد. جرب ذلك لتكون سعيداً مرتاح البال. ولو أردت تلخيص الفكرة بشكل أكثر عبقرية، سأقتبس كلام الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: “القليل الذي تحبه يسعدك أكثر من الكثير الذي لا تحبه.”
مارس ما لا تمارسه
امشِ وحيداً، غيّر مكان عملك ونوعه، اقرأ كتاباً. لا تقرأ في مجالك فقط. تجاهل الفوضويين، فكّر دون مقاطعة واترك أفكارك تتداخل مع بعضها. تحدث مع نفسك عن أي موضوع. تعلم شيئاً جديداً كلما استطعت. اشترِ أشياء بسيطة لك ولمن تحب. تخيل شيئاً غير حقيقي قبل النوم. اختر عرضاً أو فيلماً وشاهده. أغلق جوالك وحاسبك باستمرار، تحدث مع عائلتك واستمع لهم. جرب أشياء جديدة، ولا تعتبر الكلام السابق تنظيراً ومحاضرة مملة دون معنى.
لو أردت تلخيص كل ما سبق، سأقول:
ابقَ بسيطاً دون قيود والتزامات. كن ناشئاً مستقلاً. لا تكبر بالتفكير أو المشاعر مهما تغيرت حياتك. لا تغادر ذاك المقهى الذي جلست فيه مع صديقك تخطط لمشروع أو تتحدثان عن موضوع قد يبدو سخيفاً الآن. لا ترمِ أفكارك وطموحاتك وماتحبه لأي سبب كان. ولا تغلق باب التجارب والحرية خلفك.