ليلى والبداية من جديد: عام من التغيير

ليلى والبداية من جديد: عام من التغيير

وانقضى عام آخر، ولو حاولت تلخيص العام الماضي 2018 بعبارتين فقط، ستكونان: ابنتي ليلى وخروجي من دائرة الراحة والأمان والبداية من جديد. بينهما كانت هناك أحداث متفرقة هنا وهناك، ولكن لا شيء منها بتلك الأهمية، وأغلبها كان مرتبطًا بمحاولاتي لاسترداد أسلوبي القديم في الحياة والعمل.

 

ليلى

4/4/2018: هذا هو الحدث الأهم والأكبر في حياتي كما أظن حتى الآن. فرغم جميع التغييرات التي مررت بها سابقًا بكبرها وحجمها ومدى تأثيرها، يبقى هذا التغيير هو الأكبر والأكثر غرابة. ليس فقط لفكرة أنني أصبحت أبًا، وليس لما يعبر عنه البعض بالمسؤولية والحمل الإضافي، بل لأنني وبعد مرور أكثر من 8 أشهر على ولادتها، ما زلت حتى اليوم لا أفهم الفكرة أو أستوعبها كلما نظرت إلى عينيها أو طباعها وابتسامتها.

 

كل شيء تغير معها: شعوري تجاه نفسي وضرورة تغييرها وتحسين بعض الطباع والعادات من أجلها. ولأول مرة أصبحت لدي أولوية حقيقية أكبر من العمل والمشاريع واهتمامي المفرط فيها. كذلك شعوري تجاه الوقت ومروره، ومدى التغيير الذي يحمله كل يوم، أسبوع، وشهر، وحجم اختلافها وتغيرها معه. وربما أصبحت أدرك أيضًا معنى الزمن وتأثيره على الإنسان أكثر من أي شيء آخر.

 

ولكن ما يسعدني حقًا هو أنني خلال الأشهر الماضية كنت حاضرًا ومتواجدًا أغلب الوقت معها، وركزت في جزء كبير من لحظاتها وتفاصيلها وكل جديد تقوم به. لأول مرة لم أشعر بذلك الذنب الكبير والتأنيب المستمر لمرور عدة أيام دون القيام بشيء مهني جديد. الأولوية خلال تلك المدة كانت دائمًا لها ولزوجتي وتلك الحياة العائلية التي بدأت أفهمها حقًا. هذا الأمر يسعدني ويريحني في كل مرة أشعر فيها بتقصير تجاه العمل وتفاصيله، لأنني أستطيع استرداده في أي وقت، ولكن تلك اللحظات في حياتها لن تعود أبدًا.

 

البداية من جديد

أحد التغييرات الهامة في العام الماضي كان خروجي من شركة توريوم التي أسستها مع محمد، والتي قضيت في تأسيسها والعمل عليها أكثر من عامين. في هذه الجزئية من التدوينة، سأشارككم أسباب وصولي لقرار الانسحاب من الشركة، خاصة أن تجربتي فيها كانت مميزة وخروجي منها كان كذلك. أغلب قصص الانسحاب تكون مبنية على مشاكل وتعقيدات، لكن تجربتي مع محمد كانت مختلفة؛ سواء خلال عملنا بالشركة أو بعد خروجي منها، بقيت علاقتنا وصداقتنا كما هي دائمًا، وربما هذا أهم ما في الأمر.

 

أيضًا، مما يدفعني لمشاركة تجربتي هو أنني أحب سماع تجارب وقصص كهذه، وأشعر دائمًا بحساسية وشح في مشاركتها في وسطنا. ربما تكون هذه التدوينة ملهمة أو ذات فائدة لشخص يمر بنفس التجربة أو يفكر في المرور بها. وللتذكير، لن أتحدث في هذه التدوينة عن جزئية التأسيس والشركة نفسها، بل سأتحدث عن نفسي وعن خلاصة تجربتي وماذا تعلمت منها.

 

الأسباب التي دفعتني لمغادرة الشركة:

01. نمط حياة الشركة ونمط الاستقلالية

لو تذكرون تدوينة “ست ساعات من العمل ويومي عطلة”، حيث حاولت جاهدًا وعلى مدار عدة أشهر تغيير نمط حياتي والالتزام بدوام المكتب والشركة، وتخصيص عطلة أسبوعية، ومحاولة إقناع نفسي بأنها الطريقة الأفضل. ثم، بعد حوالي 8 أشهر، توصلت إلى عدم جدوى الأمر. رغم أن لنمط الحياة هذا إيجابيات عديدة، إلا أنني لم أشعر بالإنجاز الذي اعتدت عليه.

ومع ذلك، حاولت قبل قراري بالخروج تجربة عدم العمل بالمكتب والعودة إلى العمل بشكل حر ودون دوام أو التزام معين، ولكن هذا لم يحل المشكلة، فالنمط الحياتي وأسلوب العمل لم يكونا مشكلتي الوحيدة.

 

02. التقاطع بين هويتي وهوية الشركة

كوني، وبفضل الله، أملك شبكة عملاء وتجارب عديدة قبل الشركة، ظهرت لدي مشكلة لم أفكر بها أبدًا قبل التأسيس. كانت الأسئلة تراودني بعد كل عمل أنجزه، خاصةً تلك الأعمال المرتبطة بالهويات والشعارات: هل سأقوم بنشر هذه الهوية على حسابات الشركة ليكون تابعًا لها؟ أم على موقعي وحساباتي الشخصية؟ وهل يجب أن يظهر وكأنني أنا من قمت به وحدي أم الشركة وفريقها؟

قد يخطر لك أن هذا الأمر بديهي وبسيط، لكنه ليس كذلك. فأغلب العملاء الذين يعملون معي شخصيًا وليس مع الشركة وفريقها، لن يفضلوا وجود عملهم تحت اسم الشركة. خصوصًا من يعمل معي من الشركات التي تعمل بنفس مجالنا وتستلم مشاريع عملاء آخرين.

ومع أن الشركة ليست مرتبطة بي أو بالتصميم ومجالاته فقط، جعل هذا الأمر أعقد. ومع ذلك، قمنا بفصل أعمال الشركة عن أعمالي، وهذا ما أدخلني في دوامة إضافية من الأولويات والنشر على أكثر من مكان دون التركيز على أي منهم بشكل كامل. كما أنني لم أكن مرتاحًا تمامًا ولم أستطع التخلص من الشعور بأنني عميل مزدوج يعمل لطرفين.

 

03. التشتيت الذي لم أستطع تجاوزه

ربما من أهم النصائح التي يمكنني تقديمها لأي شخص سيؤسس شركة ناشئة، خصوصًا لو كانت تجربته الأولى، هو أن لا يؤسسها بمفرده. وجود شخص معك سيساعد في العديد من الأمور، أهمها على المستوى العملي: إدارة الشركة والفريق وتوزيع العمل، خاصة إذا كان الشريك لديه خبرة في الأمور التقنية ويكمل ما ينقصك. وعلى المستوى النفسي: سيساعد كثيرًا وجود شخص يشاركك الهموم والمشاكل نفسها حيث أن الضغوطات يصعب تخطيها فرديًا. أو في حال لم يكن هناك شخص يمكن الوثوق به، ستحتاج لتوظيف مدير أو أكثر، وذلك له سلبيات وصعوبات عديدة.

 

عمومًا، مع أن هذا الأمر كان إيجابيًا لدينا، إلا أن التشتيت كان كبيرًا في الشركة. لا أقصد هنا عدد المهام أو صعوبتها ووقت إنجازها، بل أقصد بالتشتيت “عدم التركيز” والضياع. بالنسبة لنا، كان السبب بسيطًا وواضحًا لكنه لا يمكن إصلاحه أو تخطيه بسهولة وبساطة. السبب هو أننا نعمل على عدة جبهات: هناك المشاريع التي تخص العملاء، متابعة الأمور الروتينية والورقية، المشاريع التي تخصنا وتفاصيلها، إدارة الشركة والفريق، وغيرها. والأهم من ذلك كله، العمل بيدك وعدم التركيز فقط على الإدارة، وهي النقطة التي سأتحدث عنها في الفقرة التالية.

 

04. مصمم أم مؤسس ومدير؟

في بداية تأسيس شركتك الناشئة، ستتمكن في أيامها الأولى من العمل والإدارة والقيام بكل المهام دون أي مشاكل أو تشتيت وضغوطات. لكن مع مرور الوقت وزيادة عدد أفراد الفريق، ستضطر إلى الابتعاد عن العمل والتركيز على إدارة الشركة والإشراف عليها. هذه حقيقة ملموسة لن تستطيع تجاوزها.

 

مشكلتي في ذلك أنني لم أحب الإدارة المطلقة دون العمل، وبالتالي لم أستطع التركيز على إدارة الشركة أو التخطيط لها والتعامل اليومي مع الموظفين وتوزيع المهام. ببساطة، فضلت العمل على ذلك، ومقياسي الشخصي للإنجاز كان بما أقوم به وليس بما أشرف عليه. وبالوقت نفسه، لم أستطع التركيز على العمل بشكل كامل، ففي كل يوم كانت قائمة المهام والأمور المعلقة أطول من الذي سبقه. الخلاصة أنني لم أستطع التركيز بشكل كامل على أي شيء.

 

05. مهنتي واختصاصي

ربما هذا هو السبب الأساسي والأكبر من كل ما ذكرته. بدأت أهمل مهنتي التي أعتبرها أساس كل شيء بالنسبة لي والمحرك الرئيسي للاستمرار. لم أعد أجد أي وقت لممارستها والتطور فيها، بل لم أعد أجد وقتًا لاستلام أعمال جديدة فبدأت بالتأجيل والرفض، وهذا يعني أنني في تراجع وليس في تقدم. شعور الوصول لفكرة هوية أو شعار والانتهاء منها وتسليمها لم يغلبه أي شعور آخر لدي، وفي كل يوم كنت أشتاق للعودة له مرة أخرى.

 

عدا عن فكرة التطور على الصعيد الشخصي التي باتت شبه معدومة. رغم محاولاتي للبحث عن “هواية” أو شيء جديد يكسر لدي هذا الروتين، إلا أنني لم أفلح بذلك. هوايتي الأساسية كانت وما زالت التصميم والهويات وما أقوم به بالأصل.

 

06. اشتقت للبداية من جديد

بعيدًا عن كل ما كتبت بالأعلى، اشتقت للبدايات. اشتقت لتلك الحرية في القرارات والتجارب. ومع حبي لمهنتي ورغبتي في العمل عليها والتركيز فيها، لدي بعض الأفكار والمشاريع التي أنوي تجربتها. ومع استمراري بالشركة، بدأ يصبح هذا الأمر مستحيلًا. لذا كانت العودة للاستقلالية هي الطريق لذلك.

 

وهنا يأتي السؤال الذي أسمعه بين الحين والآخر:
هل ستبقى هكذا للأبد؟ سأترك إجابته لنهاية التدوينة. لكن قبل ذلك، سأخلص تجربتي في الشركة ككل.

 

خلاصة ما تعلمته من تجربتي في الشركة:

وثق اتفاقاتك دائمًا مهما كانت بسيطة مع كل من في الشركة، وفور الحديث فيها، وحاول أن تشمل أكبر قدر ممكن من التفاصيل.

فكر بالشركة إذا كانت بفريق موزع وعلى الإنترنت، أو إذا كانت شركة بمقر ومكتب.. ولا تبني شركة مختلطة.

فكر بمدى حبك لمهنتك وما تقوم به، وضعها في الميزان مع إدارة الشركة، فسيصعب على المؤسس أن يعمل بيده وسيحتاج في لحظة معينة للإدارة فقط.

رزقك ودخلك لن يختلف فهو من الله أولًا وأخيرًا ومرتبط بإمكانياتك وعلاقاتك ومهاراتك أيضًا. لذا لا تربط قرارك بتأسيس عمل أو الخروج منه بأي لحظة بالرزق.

الأعباء والتفاصيل المالية للشركة أكبر بمراحل مما تتخيله. ضع ذلك في الحسبان في حال كنت ستؤسسها من مالك الخاص وليس استثمار أو غيره.

ناقش أي أفكار وخطط تخص الشركة مع نفسك أو شريكك والمؤسسين فقط، ولا تشاركها مع الموظفين خصوصًا في حال لم تكن قيد التنفيذ المباشر.

لا تتجاهل مشاعرك بأن هناك شيئًا ما خاطئًا، وحاول إصلاحه إن استطعت، وإن لم تستطع، توقف عما تقوم به واجمع شتات نفسك وابدأ من جديد.

ولا تجرب أنصاف الحلول. لو عرفت الحل وتوصلت له توكل على الله وابدأ به. لا تحاول إيجاد حل وسطي أو مؤقت أو للتجربة، فسيضيع وقتك وجهدك وسترجع في كل مرة لنقطة البداية.

والأهم أن تستمتع بكل ما تقوم به وبجميع تجاربك وإنجازاتك، وحاول دومًا الخروج من دائرة الأمان والراحة بمجرد أن تشعر بوجودك الطويل فيها.

 

ما هي الخطوة القادمة؟

أقوم حاليًا بالتركيز على الهويات والشعارات بشكل أكبر، وإعطاء كل عمل حقه الكامل، ثم تجربة أفكار وأساليب جديدة في هذا المجال، ومحاولة نشر ما أقوم به بشكل مستمر ومتزامن مع عملي دون تأجيل وتسويف. سأحاول العودة للكتابة بشكل منتظم أكثر بعون الله، فهي واحدة من أكثر الأمور التي أستمتع بها.

لدي أيضًا مشروع مختلف قليلًا أعمل عليه دون عجلة، وأغلب الظن أنني سأجرب الحديث عنه ونشره خلال الأشهر القليلة القادمة من هذا العام إن وفقني الله لذلك.

 

بالنهاية، هل سأبقى هكذا للأبد؟

ربما سأبقى وربما لا. لست أدري ولن أتعب نفسي بالتخطيط إلى مستوى الأبد. حاليًا، هذا ما أجده الأنسب لهذه المرحلة، وربما أعمل على شركة أخرى في المستقبل أو أبقى مستقلًا حتى سن الـ 70. من يعرف ومن يهتم لذلك؟ طالما أن لدي القدرة والراحة في التجربة والإيمان بأن الرزق من الله أولًا وأخيرًا، فهي الحياة التي أحبها وأعيش لأجلها

Leave a comment

Please note, comments need to be approved before they are published.