كم عدد المدونين الذين يتحدثون عن ريادة الأعمال؟ وكم عدد المدونات الشخصية التي تحلل عقلية الشركات العملاقة؟ أو حتى عدد الأشخاص الذين يزفون إليك قصص النجاح، والقيم أو الحكم اليومية في حساباتهم المختلفة؟ ما أفكر به حالياً… أننا نتكلم، ونتكلم كثيراً، وليست المشكلة بالكلام فقط، بل بأن طريقة تفكير من يتكلم تصبح “مريخية” أي قادمة من كوكب المريخ، لا تدري من أين يأتي بها. وبمجرد احتكاك عملي بسيط بينك وبينه، ستستنتج بأن كل ما تقرأه أو ينقله إليك من أفكار يختلف تماماً عن طبيعة عقليته في الحياة. فقصص النجاح الكثيرة التي استقرت في اللاوعي الخاص به أصبحت تغلب على الواقع الذي يعيشه ويتعايشه، فتنعكس تصرفاته مع من حوله معتبراً نفسه بأنه صاحب العقل الراجح والنظرة الثاقبة التي تكاد تميز الطريق الصحيح دون تفكير.
والمشكلة الأكبر عندما تتعامل مع زبون يملك تلك العقلية، فما تتوقعه منه قبل البدء بالعمل يختلف تماماً عن الواقع أو الحقيقة التي ستعيشها معه. ستتوقع مثلاً بأنه سيقدر عملك ونظرتك لما تقوم به، وسينقل لك شحنة كبيرة جداً من التفاؤل لتقضي بها يومك، وبالتأكيد الواقعية في الحديث والتفكير، وتقدير الوقت، والصبر، والحكمة وغيرها… أليس كذلك؟!
وللأسف، الحقيقة المرة في بعض تلك النماذج هي أنه سيأتي إليك بأفكار غريبة وسيجعلك تعيد العمل ألف مرة، وسيقرر بناء قصة نجاح جديدة بالتعامل معك، ويتوقع شخصياً بأنه يعطيك أكثر مما يأخذ منك… فهو يقدم لك شرف تجربة العمل معه، تلك التجربة الذهبية التي لن تتكرر، فهو أمير بلاد فارس، وحاكم بلاد الناجحين المتفائلين. وطبعاً ستبدأ يومك برسالة صباحية طويلة، لتتبعها رسالة أخرى، ومن ثم حزمة من الأفكار الجديدة، لينسفها كلها في يومه التالي، وسيعيد قصة نجاح أبل، متخيلاً نفسه ستيف، “لكن تلك النسخة العربية منه، والتي لا تعرف ما تريد”.
طبعاً وبالتأكيد لا أشمل الجميع، فأنا شخصياً، ولله الحمد، تعاملت مع أكثر من شخص يملك تلك العقلية، فمنهم من كان كالحلم، بدأنا وانتهينا بلطف، ومنهم من ذكرت صفاته بالأعلى. طبعاً وبكل تأكيد يمكنك التعامل مع النموذجين، لكن السؤال هنا: كيف نتعامل مع النموذج الثاني المتعب؟ إليك بعض الأفكار التي توصلت إليها، والتي قد تساعدنا في ذلك…
كيف أتعامل مع عميل قصص النجاح؟
1. حدد شروطاً واضحة وصريحة: يمكنك قراءة تدوينة اتفاقية الاستخدام لتساعدك في هذا الأمر.
2. استفسر عن كل صغيرة وكبيرة: دعه يحدد لك ما يحتاجه بشكل واضح تماماً.
3. اكتب بنود العمل والمتطلبات في مستند: ثم أرسله إليه ليكون مرجعاً لك وله.
4. لم تفهم الفكرة تماماً؟ استخدم هذه الجملة السحرية: “هل تقصد كذا؟”
5. حدد وقتاً معيناً للرد على البريد: وأخبره بأنك تخصص فترة معينة للعمل “من كذا إلى كذا”.
6. أضف هامش ربحي إضافي: على المبلغ المعتاد “ولا ضرر في ذلك”. ستعرف معنى كلامي عندما تجرب.
7. كن حازماً وواضحاً: ولا تستخدم مفهوم الصداقة “أو الاستغلال بالمعنى الآخر”.
8. لا تفسح له مجال التقليد: طالباً منك محاكاة فكرة أجنبية، أو موقعاً عربياً ناجحاً.
9. إن استخدم “شواهد قصص النجاح”: أخبره بأنك واقعي، وأن التجربة هي ما يثبت، لا تلك القصص.
10. أثبت وجهة نظرك بالعمل بقوة: كن حازماً، لكن دون احتكاك.
وبالنهاية…
كن صادقاً، واضحاً، ومرناً. تكسر بعض البنود، أو تتمسك ببنود أخرى أحياناً. تعامل معه بحرفية، وكون صداقة عمل، لا صداقة استغلال. قدم له عرضاً بسيطاً أو هدية مجانية، تعوض بها عن حزمك في بعض المواقف. وأنهِ العمل بعد تأكدك من رضاه عنه. ثم إن أحببت، وضح له بعض المشاكل أو ما أزعجك خلال فترة التعامل. ففي نهاية الأمر، نحن لسنا في معركة، ولا بصدد تكوين عداوة، بل في سبيل إنجاح العمل والخروج منه بابتسامة 🙂